تخطى الى المحتوى

مراجعة

عبدالرحمن الشنقيطي
عبدالرحمن الشنقيطي
2 دقائق قراءة

جدول المحتويات

«وصلنا»

ترجَّلا من السيارة.

أكمل لها قائلًا «والله المحل كبير. توقعته أصغر.»

ردت بصوت جاد «عسانا نحصل قروش كبيرة من هالمشروع مثل حجم محله.»

استمرا بالمشي نحو «بيت الطفولة»، متجر ألعاب الأطفال، لتمثيل وكالة التسويق التي يعملان بها، بعد أن دعاهما صاحب المتجر للاجتماع فيه لمناقشة الشراكة المحتملة بين الطرفين.

لمحهما المالك من بعيد، فبادر بفتح الباب مرحّبًا بحرارة «يا هلا ومسهلا. شرفتونا ونورتونا!»

بادلاه الترحيب ودخلا المحل.

مع خطوتها الأولى، شعرت بأنها انتقلت إلى عالم آخر. عالم مليئ بالألوان والأنغام والبراءة والمرح. سارت مع زميلها وعميلها المحتمل وهو يستعرض الأقسام المختلفة «هنا قسم الدمى - هنا قسم الألعاب اليدوية - هنا قسم الأدوات الفنية - هنا قسم إلكترونيات - هنا الرياضات - هنا ألعاب التركيب والذكاء - هنا الأنوثة...» لم تهمس بحرف واحد ولم تترك انفعالًا ملحوظًا رغم فكاهات العميل المحتمل وشخصيته الـمَزوحة. تولى زميلها -على غير العادة- مهمة الحديث وتمثيل الوكالة.

أثناء السير بين الأقسام والممرات، كانت تتحسس بعض الألعاب بكفها، وتستشعر تفاصيلها. عندما عبروا قسم الدمى، لفتتها دمية رضيعة وبين يديها رضاعة صغيرة. عادت إليها ذكريات لم تدرك أنها ما زالت تحملها ابتداءً. كان الرجلان منغمسان في تفاصيل تجارية، فاغتنمت الفرصة ورفعت الدمية إلى وجهها مع التظاهر بتدقيق النظر، ثم حنتها لجهة اليمين وضمتها بين خدها وأذنها، كما لو أنها تحاول سماع ما بداخل اللعبة، وأغمضت عينيها للحظات معدودة، ثم أعادت الدمية إلى موضعها.

بعدها بدقائق، انتقلت المجموعة إلى غرفة اجتماعات جانبية في الطابق العلوي. كان الحديث بين الرجلين يسير بتناغم مبهر: حجم السوق وارتفاع الطلب مع قلة العرض، ضعف المنافسين، جودة المنتجات، فرص النمو... بينما كانت تسرح في عوالمها الداخلية. اتصلت بجانب منها كان مهمَلًا لسنوات وعقود من الزمن، وبدأ شريط حياتها يُراجَع تلقائيًا، مع تساؤلات مهمة حول قرارات مصيرية وصراعات كبرى كان لها أثر فارق في توجيه مجرى حياتها. كان تيار الأفكار يسير في خط لانهائي باتجاهين مفقودين في حياتها: طفولتها وأمومتها.

وصل حديث الرجال إلى نقطة مفصلية: الخطوات القادمة. وجه العميل المحتمل، مالك محل «بيت الطفولة»، خطابه نحوها قائلًا «الحين عندكم الصورة كاملة. وش مفروض نسوي؟ ووش الخطوات القادمة؟ يهمني أسمع رايك بحكم الخبرة والسنوات الطويلة في التسويق من بداية تأسيسك للوكالة.»

لبست قبعة المديرة، ذهنيًا ونفسيًا، وانطلقت في الحديث «أنا أشوف المفروض نرجع خطوة للوراء ونبدا باستراتيجية وخطة تسويقية تكون مبنية على استراتيجية الشركة حتى يكون عملنا منهجي ومنظم بدون عشوائية، وبعدها نعمل على تنفيذ وإدارة الأنشطة التسويقية وتحسينها. حنا بالعادة نسوي وثيقة مفصلة تشمل: الأهداف التسويقية، الفئة/الفئات المستهدفة واحتياجاتها العميقة وكيف نلبيها، تموضع العلامة في السوق، المنتجات وأقسامها وتسعيرها، ثم خطة المحتوى الرقمي اللي يكون فيها النبرة واللهجة، والمواضيع اللي بننشر عنها، والقنوات، وأنواع وكميات المحتويات في كل قناة...»

استمرت في استعراض المقترحات بطريقتها المقنعة، وعرضت تسعيرة الخدمات. وافق العميل ووقّع عقد الشراكة. ثم انصرفت وعادت مع زميلها (بالأصح: موظفها) إلى مقر مؤسستها.

قصص قصيرة

تعليقات


المنشورات ذات الصلة

للأعضاء عام

خلل

غاص في مقعده المفضل من نوع «الصبي الكسول Lazy Boy» راخيًا ظهره إلى الوراء، ليستقر جسده في وضعية شبه-استلقائية. كانت عيناه مثبتتان على الزاوية الفاصلة بين السقف والحائط، وذهنه مثبت على الفراغ. بقي على هذه الحال بضع ساعات دون أن يتحرك قيد أنملة. في أواخر تلك الساعات، استشعر وجود

للأعضاء عام

تجلي

«إكسكيوز مي، بروفيسور.» ناداها أحد طلابها وهي على وشك الخروج من قاعة تدريس جامعةٍ عالمية مرموقة. التفتتْ إليه مع ابتسامة طفيفة «يس؟» فقال لها بما معناه «هل من الممكن أن تشاركينا ملف السلايدات -شرائح العرض-؟» وكان ردها «بكل سرور. لكن تذكر أن أسئلة الامتحان لن تكون محصورة على محتويات تلك

للأعضاء عام

كولاج الواقع

في المطار، وقف مع لوازمه منتظرًا دوره عند شركة الطيران للحصول على التذكرة وشحن الأمتعة. تأمَّل الحقيبة الكبيرة التي اقتناها مستعمَلة من وجهته السابقة: كانت مكعَّبةً بلون أرجواني، وعجلات ثلاثية، لا تشبه أيًا مما حولها. كانت خارج السياق تمامًا، وكأن أحدًا ما قصّ