خلل
جدول المحتويات
غاص في مقعده المفضل من نوع «الصبي الكسول Lazy Boy» راخيًا ظهره إلى الوراء، ليستقر جسده في وضعية شبه-استلقائية. كانت عيناه مثبتتان على الزاوية الفاصلة بين السقف والحائط، وذهنه مثبت على الفراغ. بقي على هذه الحال بضع ساعات دون أن يتحرك قيد أنملة. في أواخر تلك الساعات، استشعر وجود روحه في منتصف جسمه، وتخيل شكلها كفقّاعة مدوَّرة. في البداية، كانت الفقاعة مستقرة بداخله، بحجم لؤلؤة تقريبًا. لكن مع انتباهه لها وتركيزه عليها، صارت تنمو بتدريج بطيئ، حتى تجاوزت أطراف جسده وتوسعت أبعد من حدوده. لاحظ الفقاعة وهي تتوسع أكثر فأكثر لتشمل المقعد أولًا، ثم الغرفة بما فيها، ثم المبنى بأكمله. صاحب ذلك التوسع ظاهرة تستحق الذكر: كان قادرًا على الشعور العميق والدقيق بكل ما تشمله تلك الفقاعة، وكأن حواسه تمددت وتعددت بمقدار تمدد روحه وتعدد ما بداخلها. أصبحت ذاته عبارة عن جسد + مقعد + غرفة + مبنى، بعد أن كانت محصورة ومحاصرة بين لحمٍ وعظم. شعَر بثقل الجسد على المقعد، ثم حس بأبعاد الغرفة والهواء الممتد فيها، وبعدها اتصلت أحاسيسه بكافة عناصر البناء، وكل من وما فيه. شيئًا فشيئًا، وبتسارع غير متوقع، توسعت الفقاعة لتشمل الطريق السريع، فالمدينة، فالبلد، فالمنطقة الجغرافية، فالقارّة، فالكرة الأرضية، ببلدانها وبحارها وجبالها وسهولها وغاباتها. توسعت روحه لتشمل أنواع البشر قاطبة: غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، ذكورهم وإناثهم، خيارهم وشرارهم. توسعت لتشمل عوالم الحيوان، والنبات، والجماد. توسعت أكثر، وبدأت تضم إليها النجوم والكواكب والمجرات.
طُرِقَ الباب فجأة، ودخلت مُمرضة المصحة النفسية باستعجال قائلة بصوت مرتفع تظهر فيه نبرة المجاملة الروتينية «وقت الأدوية!»
النشرة الإخبارية
انضم إلى النشرة الإخبارية لتلقي آخر التحديثات.